التبغ و القهوة
الكافيين و تأثيرها على الجهاز العصبي
تعتبر القهوة من أكثر المواد الغذائية المنشطة استهلاكا في العالم الى جانب الشاي. و يرجع شيوع القهوة الى مفعولها المنشط بصورة فورية فهي كما هو معروف عند الكثير من الناس تزيد من مستوى الطاقة في الجسم و بهذا فهي ترفع من مستوى الانتباه, التركيز و كذا النشاط البدني. تحتوي مادة القهوة على العديد من الجزيئات الفعالة التي يستخدمها الجسم في تنشيط تفاعلات الأيض لكن الجزيئ الأكثر فاعلية دون منازع و الذي أجريت عليه ملايين البحوثات العلمية هو جزيئ “الكافيين”. لهذا الأخير القدرة على التحكم بمخزون الطاقة في الجسم اذ يجري تثبيته على مستوى المشابك العصبية فور امتصاصه من قبل الخلايا المعوية. تعد المشابك العصبية بمثابة المعابر التي تسمح بمرور السيالات العصبية أو بالأحرى أوامر الجهاز العصبي المركزي الى الأعضاء الحيوية لجسم الانسان. و يوجد على مستوى هذه المشابك العصبية مركبات كيميائية طبيعية كالأسيتيل كولين و الأدرينالين و النورأدرينالين تسمى بالوسائط الكيميائية نظرا لأنها تلعب دور الوسيط في نقل السيالة العصبية حيث يمكن اعتبارها كمفاتيح المرور لأوامر الجهاز العصبي. و من المثير للاهتمام أن بنية جزيئ الكافيين مشابهة الى درجة كبيرة لبنية الوسائط الكيميائية العصبية مما يجعلها تثبت بصورة مباشرة على المستقبلات المخصصة لهذه الوسائط الكيميائية على مستوى المشابك العصبية. فهي اذن مادة كيميائية غير طبيعية تنافس المواد العصبية المصنعة من طرف الجسم.
ان الاستهلاك المفرط للقهوة و المنتجات المشبعة بالكافيين له عواقب وخيمة على جسم الانسان, اذ يتعرف الجهاز العصبي بسرعة على مادة الكافيين و يتأقلم معها فتصبح الوسيط الكيميائي العصبي رقم واحد في الجهاز العصبي و تفقد الكثير من الوسائط الكيميائية العصبية الأخرى فاعليتها الى جانب الكافيين, و تبدأ أعراض الادمان على هذه المادة بالتطور شيئا فشيئا فيصبح أداء الشخص النفسي و البدني و العقلي مرتبط بتناوله لفنجان القهوة.
النيكوتين
النيكوتين المحتواة في جميع أنواع التبغ بكميات متفاوة لكن معتبرة أكتشفت سنة 1809 من قبل العالم الفرنسي في الكيمياء الحيوية “نيكولا فوكلين”. تحتوي أوراق التبغ كميات عالية من النيكوتين تصل الى خمسة بالمائة من الوزن الجاف لهذه الأوراق. النيكوتين مادة خطيرة تنشط عمل الوسائط الكيميائية العصبية على مستوى المشابك العصبية و تزيد بذلك مرور السيالات العصبية نحو مختلف أعضاء و أنسجة الجسم مما يحدث خللا في الوظائف الحيوية للجسم. مفعولها مشابه للكافيين الا أنها أكثر فاعلية و الادمان عليها أسهل بكثير من الكافيين اذ أن بنيتها مشابهة الى مدى بعيد لبنية الأستيل كولين و الدوبامين الى درجة أن المستقبلات الوسيطية المشبكية الخاصة بنقل السيالات العصبية سميت بالمستقبلات النيكوتينية, و تصنف هذه المادة كيميائيا ضمن مجموعة الألكالويدات وهي مواد كيميائية ذات خصائص مبيدة للحشرات و الفطريات, و احتواء نباتات التبغ عليها يحميها من الطفيليات و الفطريات.
عند تناول هذه المادة بصفة منتظمة يتأقلم الجهاز العصبي الا ارادي مع هذه المادة و تحدث عدم توازن في وظائف حيوية هامة كالتنفس و الدورة الدموية على وجه الخصوص بالاضافة الى اختلالات في جميع خلايا الجسم.
التدخين
بالاضافة الى الأضرار الصحية المذكورة سالفا و الناجمة عن تعاطي النيكوتين التي تعتبر المادة الأساسية المكونة للتبغ و السجائر يجدر بنا الاشارة بصورة موجزة الى الأضرار الناجمة عن التدخين. فالسيجارة لا تحتوي فقط على النيكوتين بل يدخل في تركيبها أكثر من مائتي مادة سامة من بينها مادة القطران أو ما يسمى بالعامية ب “الزفت” التي تستعمل في تعبيد الطرقات. وتتثبت جزيئات هذه المادة على القصبات الهوائية و تقلص من قطرها شيئا فشيئا الأمر الذي يعيق دخول و خروج الهواء بحرية و يحدث خللا في عملية التنفس و منها اختناق خلايا الجسم نتيجة تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون و نقص تركيز الأكسوجين في الدم. و ينقل الزفت على جدران القصبات الهوائية عن طريق الدخان المنبعث من السيجارة. ومع الوقت تترسب مادة الزفت في الرأتين مؤدية الى أضرار وخيمة على صحة الفرد أهمها النقص الفادح في الأكسجين على مستوى الخلايا مما يفعل عمليات التخمر الخلوي و ينتج عن ذلك كميات معتبرة من السموم وينهار الجسم شيئا فشيئا, دون الحديث عن السرطانات و خصوصا سرطان الرئة و أمراض القلب و الشرايين و الاضطرابات النفسية التي تليها الاضطرابات العصبية الناتجة عن التدخين.
نقص الكافيين و النيكوتين و تأثيره على الصائم
يعاني المدمنون على القهوة و السجائر خلال شهر رمضان من انخفاض ملموس في مستوى الطاقة و نقص في الأداء البدني بالاضافة الى اضطرابات نفسية و سلوكية كالنرفزة و الحركات العصبية المتكررة التي تدل على نفاذ الصبر و اضطرابات عقلية طفيفة كالنسيان و نقص التركيز و الانتباه و يلاحظ في الكثير من الأحيان انخفاض في كفاءة الحواس على العموم و خصوصا حاسة السمع. و يلجأ الكثير ممن يعانون من اعراض الادمان على النيكوتين و الكافيين الى النوم لساعات لتفادي الاحتكاك بالمحيط الخارجي الذي يدركونه كعبء زائد من الصعب التعامل معه. و بطبيعة الحال كل هذه الأعراض تنتج عن نقص تركيز كل من النيكوتين و الكافيين على مستوى المشابك العصبية مما يعرقل السير الحسن لعملية مرور السيالات العصبية نحو الأعضاء و الأنسجة الحيوية للجسم الشيئ الذي يحدث اختلالا في توازن وظائف خلايا الجسم. و تزول الأعراض السابقة باستهلاك كميات كافية من القهوة و تدخين بعض السجائر بعد الافطار مما يجعل الشخص في حالة نفسية و جسمية ملائمة للقيام بأنشطته الفكرية أو بدنية على حد سواء.
شهر رمضان… فرصة للاقلاع عن التدخين
لا يختلف العلماء و الخبراء على أنه للصيام فوائد و آثار على جسم الانسان أقل ما يمكن القول عنها أنها ايجابية الى مدى بعيد. و علاوة عن الفوائد الروحية للشهر المعظم فالفوائد الصحية لا تعد و لا تحصى نفسيا و جسميا و عقليا. الصيام في شهر رمضان لا يعني فقط التوقف عن الأكل و الشرب خلال النهار بل و أيضا الاقلاع عن كل العادات السيئة المضرة بالصحة الجسمية أو الروحية للتقرب أكثر من الله سبحانه و تعالى. و لديك خلال شهر رمضان فرصة من ذهب عزيزي القارئ للاقلاع نهائيا عن كل العادات السيئة التي عجزت عن التخلص منها سابقا و على سبيل المثال لا الحصر التدخين. عزيزي القارئ شهر رمضان هو شهر المغفرة و الرحمة, و لعلك لاحظت في هذا الشهر كم أنت مرتاح روحيا و نفسيا و لا أشك في أنه لديك الطاقة الازمة و الارادة الكاملة لاقلاعك عن السيجارة. و فيما يلي مراحل يجدر بك اتباعها للاقلاع عن التدخين :
– قبل كل شيئ اتخذ قرارا حاسما و موقفا رجوليا و أعقد العزم على القيام بكل ما هو لازم للاقلاع عن التدخين و ذلك بالتفكير بجدية في الأضرار الناجمة عنه.
– قم بتقييم عدد السجائر التي تستهلكها يوميا خلال شهر رمضان.
– اذا كنت تستهلك عشرة سجائر في اليوم أو أقل فقم بحذف سيجارة كل يوم, أما اذا كنت تستهلك أكثر من عشرة سجائر في اليوم فأحذف سيجارتين كل يوم.
– حاول أن تحسن تسيير استهلاك السجائر التي بحوزتك في ذلك اليوم, لا تستهلكها كلها دفعة واحدة بل اجعلها متباعدة الواحدة تل و الأخرى حتى تسهل عليك مقاومة الرغبة في التدخين.
– استمر بحذف السجائر يوما بعد يوم وفي نفس الوقت عود نفسك على تعويض الرغبة في التدخين باستهلاك شيئ آخر مفيد للصحة كالفواكه مثلا فاستهلاكها يساعد على تصفية الجسم من السموم المتراكمة نتيجة التدخين.
– عند حذفك الكامل لجميع السجائر تكون قد أنجزت المهمة الأولى و هي التوقف عن التدخين و ليس الاقلاع عنه اذ و انه في هذه المرحلة تسعة أشخاص من أصل عشرة يعودون بعد فترة للتدخين من جديد, و لهذا يجب الاستمرار في عملية الاقلاع وذلك باستهلاك على الأقل 12 حبة من الفواكه والخضر الطازجة في اليوم.
– الى جانب ذلك يجب عليك عزيزي القارئ ممارسة نشاط بدني رياضي بصورة منتظمة, و يعتبر الجري و السباحة من أحسن الرياضات التي تساهم في التخلص من سموم السجائر. وتعتبر 30 دقيقة من الجري أو السباحة بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع جد كافية لمساعدتك على الاقلاع عن التدخين.
– ضع هدفك صوب عينيك, حياة من دون سجائر, و أعمل على تحقيقه مهما كلفك ذلك و لا تستمع للأشخاص السلبيين و الفاشلين الذين يحبون تحطيم معنوياتك عن قصد أو عن غير قصد. وأعلم أن مئات الملايين من الناس في هذا العالم قد نجحوا في الاقلاع عن التدخين و أنه بامكانك أن تكون مثلهم.